فلسطين الحداثية: يا فَرحة ما تَمِّت!

التصنيف: Product ID: 2881

الوصف

فلسطين الحداثية: يا فَرحة ما تَمِّت!

عادة ما يتم تذكر الحقبة التاريخية ما بعد النكبة (1948) على أنها حقبة كارثية كان فيها الفلسطينيون ضحايا دمرتها الحرب وتداعياتها، بما في ذلك تهجير السكان الأصليين وتدمير موائلهم الحضرية والريفية وممارساتهم الاجتماعية والحيزية. على عكس هذه الصورة القاتمة لفلسطين، نلاحظ في هذه الفترة انتشار أشكال معمارية حديثة والتي لا يمكن التغاضي عنها في سعينا لفهم صيرورة العمارة والحيز في فلسطين، خاصة عمارة مدن الساحل (مثل يافا وحيفا) ومدن وسط الضفة الغربية ( مثل القدس ونابلس ورام الله والبيرة وبيت لحم).

يبدو أن العمارة الفلسطينية بين النكبة (1948)، أو قبل ذلك بقليل، وحرب 1967، أو بعد ذلك بقليل، متاثرة بالطراز المعماري الحديث في المنطقة بشكل خاص، وفي العالم بشكل عام، كانت تعيش حقبة حداثية من حيث الشكل، الوظيفة، والتقنيات المستخدمة في البناء –حقبة يمكن أن نطلق عليها بشكل مبدئي “فلسطين الحداثية”. تعبر هذه العمارة الجديدة عن أحلام وطموحات المعماريين والمهندسين الفلسطينيين الرواد الذين كانوا “يناضلون” من أجل تبوء مَكانَة لممارساتهم المعمارية والحيِّزية في مشهد أوسع.

شهدت هذه الفترة تحولات هامة كانت أهم معطياتها من الناحية المعمارية الغياب الواضح لكثير من سمات العمارة التقليدية، وظهور أنماط مختلفة من البناء الحديث. هذه التغييرات هي استمرار للتطورات والتحديثات التي بدأت تطرأ على العمارة في فلسطين وخاصة مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وعكست بالضرورة التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والانفتاح على العالم الخارجي. أخذت الأنماط والطرز المعمارية الجديدة بالابتعاد رويدا رويدا عن العمارة التقليدية وأشكالها، وقد ساعد على ذلك دخول مواد البناء الحديثة وبداية ظهور دور المهندسين الرواد في تخطيط المدن وتصميم المباني.

اعتمد المعمار في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بخاصة في المدن الساحلية ومدن وسط الضفة الغربية، على المهندسين، حيث بدأت تظهر أنماط وطرز بناء جديدة متأثرة بأنماط غربية عكست بالضرورة الانفتاح على العالم الخارجي والتغييرات الاجتماعية والاقتصادية التي عاشها المجتمع الفلسطيني خلال تلك الفترة.  خلال تلك الفترة، أخذت مجموعة من أصحاب رؤوس الأموال والبرجوازية الناشئة بالاستعانة بالمهندسين من أجل تشييد أبنية منفردة خارج حدود البلدات القديمة، ومن أهم الأمثلة على ذلك الفنادق والمدارس والفلل السكنية خارج أسوار القدس وتحديداً في أحياء البقعة، والقطمون، والطالبية والشيخ جراح، والمنشية في يافا، وشارع فيصل في حيفا والامتداد الشمالي والجنوبي لبلدة نابلس القديمة، والامتداد الحضري لبيت لحم باتجاه شمال غرب، وباتجاه جنوب غرب. من أهم مهندسي تلك المرحلة المهندسين رشدي الإمام، أنضوني برامكي، سبيرو خوري وجورج الشبر.

من أبرز المهندسين الذين عملوا فترة الخمسينات والستينات من القرن العشرين في الضفتين الشرقية والغربية نظمي النابلسي (قام بتصميم الفندق الوطني في القدس، وعمارة نجلاء النابلسي في ضاحية شعفاط)، وفؤاد الصايغ (قام بتصميم مبنى البريد في مدينة القدس ومبنى اليتيم العربي في عطروت وفندق الهلتون في البيرة)، وأحمد دهقان، وهشام الحسيني، وشكري قبعين، وفواز مهنا (قام بتصميم بيت حكمت المصري في نابلس)، وديران فاسكرجيان، وجورج ريس (الذي اشتهر كثيراً في بيروت)، وثيودور كنعان (قام بتصميم فندق الامبسادور في القدس)، وهاني عرفات (قام بتصميم جامعة النجاح الوطنية وبلدية نابلس وسينما أريحا)، وجعفر طوقان، ورزق خوري، وصليبا قشير، والسيد كريم (قام بتصميم فيلا د. محمد القطب—سكن الملك حسين في شعفاط). أما المهندسين الأجانب الذين ساهموا في عمارة فلسطين الحداثية فنذكر منهم أنتوني إيرفنغ ومكتبه في بيروت (قام بتصميم فندق في الشيخ جراح في القدس) والمهندس اللبناني جبران جبران (قام بتصميم فندق الماونت سكوبس في القدس وعمارة حنانيا وخراز في رام الله في 1975).

مع دخول فلسطين بأكملها تحت الاحتلال الاسرائيلي (1967) أسدل الستار على حقبة معمارية واعدة، كانت كحلم جميل تحول إلى كابوس مخيف سيطرت فيه مؤسسات الاحتلال على الحيز الفلسطيني وعلى تنظيم البناء وتطور العمران فيه  وعلى أحلام فلسطين بالاستقلال والحداثة.

إن القانون الحالي الصادر عن رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية لسنة 2018، يحمي بشكل تلقائي المباني التي شيدت قبل العام 1917، ولا يحمي ما بني بعد ذلك، إلا بوجود أوامر، لوائح وسياسات خاصة من قبل وزارة السياحة والآثار، الأمر الذي يحتاج الى سنوات طويلة من التحضير ومن ثم الإقرار. يجعل هذا الوضع المباني الحداثية عرضة للتدمير والإحلال بمباني أعلى وأضخم. هذا ما نراه، بخاصة بعد توقيع اتفاقية أوسلو (1993) وما تبعها من طفرة عمرانية سريعة في المدن والريف على حد سواء، مما أدى الى تحول مدننا وقرانا لغابات من الباطون المسلح وواجهات الزجاج المستورد.

Author

  • الدكتور خلدون بشارة مهندس معماري ومرمم وأنثروبولوجي، يشغل حالياً منصب مستشار في رواق والذي عمل فيه منذ عام 1994. نال بشارة درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية من جامعة بيرزيت (1996)، وحاز على درجة الماجستير في ترميم المباني والبلدات التاريخية من جامعة لوفن الكاثوليكية في بلجيكا (2000)، وعلى درجتي الماجستير والدكتوراة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية من جامعة كاليفورنيا في أرفاين، الولايات المتحدة الأمريكية (2012).

المراجعات

لا توجد مراجعات بعد.

كن أول من يقيم “فلسطين الحداثية: يا فَرحة ما تَمِّت!”

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *